فصل: كِتَابُ الْأَيْمَانِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْأَيْمَانِ:

قَالَ: (الْأَيْمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَيَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ، وَيَمِينٌ لَغْوٌ، فَالْغَمُوسُ: هُوَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ فِيهَا صَاحِبُهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ ذَنْبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَةَ.
وَلَنَا أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ، لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارٍ مُبْتَدَأٍ وَمَا فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ (وَالْمُنْعَقِدَةُ مَا يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ، وَإِذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ} وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا (وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فَهَذِهِ الْيَمِينُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا) وَمِنْ اللَّغْوِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ إنَّهُ لَزَيْدٌ وَهُوَ يَظُنُّهُ زَيْدًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ} الْآيَةَ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ.
الشرح:
كِتَابُ الْأَيْمَانِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: «خَاصَمَ رَجُلٌ مِنْ الْحَضْرَمِيِّينَ رَجُلًا مِنَّا، يُقَالُ لَهُ: الْجَفْشِيشُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضٍ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: جِئْ بِشُهُودِك عَلَى حَقِّك، وَإِلَّا حَلَفَ لَك، فَقَالَ: أَرْضِي أَعْظَمُ شَأْنًا مِنْ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ يَمِينَ الْمُسْلِمِ مَا وَرَاءَهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنْ هُوَ حَلَفَ كَاذِبًا لَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ، فَذَهَبَ الْأَشْعَثُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَصْلِحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا»، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَدْخَلَهُ النَّارَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. انْتَهَى.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ»، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ.
قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}، قَالَتْ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ حَسَّانَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ عَنْ عَطَاءٍ: اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلًّا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ دَاوُد بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَغْوُ الْيَمِينِ مَا لَمْ يَعْقِدْ الْحَالِفُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَرَوَى عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَتْ: هُوَ حَلِفُ الرَّجُلِ عَلَى عِلْمِهِ، ثُمَّ لَا تَجِدُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ ضَعِيفٌ، وَرِوَايَةُ الثِّقَاتِ كَمَا مَضَى تُشِيرُ إلَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا مَجْهُولٌ، وَرِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَرَامِ، فَلَا يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيّ، وَالْحَسَنِ قَالَا: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ، ثُمَّ يَنْسَى.
وَعَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا قَالَ: هُوَ الْخَطَأُ غَيْرُ الْعَمْدِ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَكَذَا وَكَذَا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ. انْتَهَى.
قَالَ: (وَالْقَاصِدُ فِي الْيَمِينِ وَالْمُكْرَهُ وَالنَّاسِي سَوَاءٌ) حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ وَسَنُبَيِّنُ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ».
قُلْت: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَجْعَلُ عِوَضَ الْيَمِينِ، الْعَتَاقَ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا، وَكِلَاهُمَا غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الطَّلَاقِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي النِّكَاحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَابْنُ أَرْدَكَ مِنْ ثِقَاتِ الْمَدَنِيِّينَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ،ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا، وَقَدْ غَلَّطَ النَّوَوِيُّ الْغَزَالِيَّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، فَقَالَ: وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْوَسِيطِ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ: وَالرَّجْعَةُ، عِوَضُ الْعَتَاقِ.
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ، انْتَهَى.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فِي ثَلَاثٍ: الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ، فَمَنْ قَالَهُنَّ فَقَدْ وَجَبْنَ»، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ، مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ لَاعِبًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ: الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنِّكَاحُ،»، انْتَهَى.
وَضُعِّفَ غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ لَاعِبٌ، فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ لَاعِبٌ، فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، وَمَنْ نَكَحَ وَهُوَ لَاعِبٌ، فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ»، انْتَهَى.
وَفِيهِ أَثَرَانِ أَيْضًا أَخْرَجَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا: أَرْبَعٌ، وَزَادَ: وَالنَّذْرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَرْدَكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ: إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، والدراوردي، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، انْتَهَى.
قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ فِي عَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِ الْمُكْرَهِ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: عَنْبَسَةُ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمْ، انْتَهَى.

.بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا:

قَالَ: (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ آخَرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مُتَعَارَفٌ، وَمَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ، لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ فَصَلَحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا وَمَانِعًا.
قَالَ: (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ، يُقَالُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَك فِينَا، أَيْ مَعْلُومَاتِكَ.
(وَلَوْ قَالَ: وَغَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا) وَكَذَا وَرَحْمَةِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهَا وَهُوَ الْمَطَرُ أَوْ الْجَنَّةُ وَالْغَضَبُ وَالسُّخْطُ يُرَادُ بِهِمَا الْعُقُوبَةُ.
(وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا كُفْرٌ.
الشرح:
بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا:
وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ وَهُوَ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَسْكُتْ»، وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ: أَوْ لِيَصْمُت، وَعَجِبْت مِنْ الشَّيْخِ زَكِيِّ الدِّينِ كَيْفَ عَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ، وَتَرَكَ التِّرْمِذِيَّ، وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ ذَكَرَهُ بِرُمَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ»، انْتَهَى.
قَالَ: (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ، وَحُرُوفُ الْقَسَمِ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ، وَالْبَاءُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ، وَالتَّاءُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ (وَقَدْ يُضْمَرُ الْحَرْفُ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا) لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إيجَازًا، ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ لِانْتِزَاعِ الْحَرْفِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ يُخْفَضُ فَتَكُونُ الْكِسْرَةُ دَالَّةً عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّ الْبَاءَ تُبْدَلُ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {آمَنْتُمْ لَهُ} أَيْ آمَنْتُمْ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِّيَّتُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ، قَالُوا: وَلَوْ قَالَ وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ: حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا، لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُنَكَّرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ.
(وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهُوَ حَالِفٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ، وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً، وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَجُعِلَ حَالِفًا فِي الْحَالِ وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ} ثُمَّ قَالَ: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَصُرِفَ إلَيْهِ، وَلِهَذَا قِيلَ لَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ.
(وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ: سوكند ميخورم بخداي يَكُونُ يَمِينًا) لِأَنَّهُ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: سوكند خورم، قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ: سوكند خورم بِطَلَاقِ زنم لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَكَذَا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ) لِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاءُ اللَّهِ وَأَيْمَ اللَّهِ مَعْنَاهُ أَيْمُنُ اللَّهِ، وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهِ وَأَيْمُ صِلَةٌ كَالْوَاوِ وَالْحَلِفُ بِاللَّفْظَيْنِ مُتَعَارَفٌ (وَكَذَا قَوْلُهُ: وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ) لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} وَالْمِيثَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَهْدِ (وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ} (وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ يَكُونُ يَمِينًا) لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا تَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ.
وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ، وَلَا يَكْفُرُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَقِيلَ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِيهِمَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ يَكْفُرُ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ.
(وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشُّرُوطِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أَوْ شَارِبٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكُلُ رِبًا) لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بُكَيْر بِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ بُكَيْر بِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ تُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إذَا لَمْ يُسَمَّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ نَذْرًا فِيمَا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ»، مُخْتَصَرٌ.
قَالَ: وَغَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَيْتَ هَذَا الْحَدِيثَ لَوْ صَحَّ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: سَأَلْت أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ كَاسِبٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ»، فَقَالَا: رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ مُغِيرَةَ، فَوَقَفَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قُلْت لَهُمَا: فَالْوَهْمُ مِمَّنْ؟ قَالَا: مَا نَدْرِي، مَنْ مُغِيرَةُ، أَوْ مَنْ ابْنُ كَاسِبٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَحْمُولٌ عَلَى نَذْرِ الْحَاجِّ الَّذِي يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْأَيْمَانِ، انْتَهَى.
قَالَ: (كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ يُجْزِي فِيهَا مَا يُجْزِي فِي الظِّهَارِ، وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ وَأَدْنَاهُ مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الْآيَةَ، وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ.
قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُخَيَّرُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ.
وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ} وَهِيَ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ أَدْنَى الْكِسْوَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ أَدْنَاهُ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ السَّرَاوِيلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ، لَكِنْ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ}، وَهِيَ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ.
قُلْت: وَرُوِيَتْ أَيْضًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ}، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: بَلَغَنَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ}، وَكَذَلِكَ نَقْرَأَهَا، انْتَهَى.
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَالْأَعْمَشِ، قَالَا: فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ}، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكَذَلِكَ نَقْرَأَهَا.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ}، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ(الْبَقَرَةِ) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ}، انْتَهَى.
وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
(وَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يُجْزِهِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُجْزِيهِ بِالْمَالِ، لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجُرْحِ.
وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ هَاهُنَا، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ، لِأَنَّهُ مَانِعٌ غَيْرُ مُفْضٍ بِخِلَافِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ (ثُمَّ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ الْمِسْكِينِ) لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً.